توجد في الشرق الأوسط أربع قوى أساسية فعالة ومتصارعة حيث كل قوة تسعى لأن تكون المسيطرة وذات النفوذ الأقوى في المنطقة لعدة أسباب أهمها الحفاظ على الاستقرار الداخلي والسعي إلى تحقيق المصالح الذاتية والبعض الآخر يحاول الخروج من العزلة الشعبية والسياسية والاقتصادية.
القوة الأولى العرب: يسيطر العرب على معظم مساحة الشرق الأوسط الجغرافية، ويمتلكون مخزونا بشريا هائلا، إلى جانب مخزون وفير من الموارد الطبيعية. رغم المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يمرون بها إلا إن غالبية السياسيين والمفكرين والمثقفين يزعمون بأن القومية العربية (العروبة) قادرة على أن تجمع العرب في أي وقت لمواجهة أي خطر يهدد قوميتهم.
القوى الثانية الأتراك: وهي قوة إسلامية تربطها مع العرب علاقة مذهبية، حيث إن معظم الأتراك ينتمون للمذهب السني بل إن الخلافة العثمانية كان لها دور كبير في توطيد العلاقة مع العرب.
إيران: يجمعهم مع العرب دين واحد وهو الإسلام، ويفرقهم المذهب، وما يفرقهم أكثر تاثيرا مما يجمعهم، فالعرب سنة إلا نسبة قليلة لا تذكر ذات توجه شيعي، وكذلك في المقابل معظم الإيرانيين من أنصار المذهب الشيعي.
القوة الثالثة إسرائيل: لا تربطها مع مجتمعات المنطقة، سواء العرب، أو الترك، أو الفرس، أي روابط تساعد في إيجاد طريق لبناء علاقة معهم، فالعلاقة بين شعوب المنطقة والإسرائيليين غير موجودة تماما، مع وجود علاقات دبلوماسية بين بعض الأنظمة العربية ونظام إسرائيل، إلا أن تلك العلاقات تتسم بالضعف والتخوف من أي رد شعبي.
العلاقات العربية الإيرانية مرت بمستويات متذبذبة ما بين التقارب والتنافرعلى المستويين الشعبوي والسياسي. فالحرب العراقية الإيرانية شهدت اصطفافا عربيا مع العراق، عدا ليبيا والجزائر وسوريا، ولكن بعد دخول نظام صدام إلى الكويت وبعدها قيام حرب الخليج والتي تلتها حرب العراق قادت إلى تقارب عربي إيراني طفيف، خاصة مع دول الخليج في المصالح. إلا أن تاثيرات الربيع العربي على السياسات الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة أججت الصراع من جديد وقاد إلى حرب باردة بين الأنظمة العربية وإيران. صورة المشروع الإيراني المغلف بمسمى الثورة الإسلامية ومعاداة أمريكا وإسرائيل امتلك حاملا شعبويا عربيا جارفا، فعندما كان يلقي حسن نصر الله خطابا في 2006 وما بعده كان الملايين من العرب يحضرونه، ولكن ثورات الربيع العربي كشفت عورة المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة وأثبتت حقيقته وأصبح حسن نصر الله أكبر عدو للعرب عندما تلطخت يداه بدماء السوريين ووقوفه إلى جانب نظام الأسد.
التحركات الإيرانية في دول الربيع العربي ومشروعها التوسعي وأهدافه جاءت معادية لطموحات الشعوب مما جرتها إلى عزلة مقيتة فرضتها شعوب المنطقة عليها وجعلتها ترتمي في أحضان أنظمة متهالكة أو جماعات متمردة للخروج من عزلتها في المنطقة ولتحقيق مصالحها.
أما العلاقات العربية الإسرائيلية، أو بالأصح العلاقات الدبلوماسية التي تقيمها بعض أنظمة المنطقة مع إسرائيل، تواجه رفضا شعبويا مستمرا لم يتأثر بطيلة المدة أو بتلك الأنظمة الاستبدادية التي حاولت فرضها على الشعوب. فالعلاقات هي عبارة عن صراع علني مستمر ما بين فرض وجود ورفضه، فإسرائيل شعبا وحكومة تحاول إيجاد مكان داخل مجتمع المنطقة كشعب شرق أوسطي، إلا أن موجة الرفض الشعبي كان بمثابة جدار عازل.
على رغم أن إيران تعتبر قوة عسكرية تمتلك مفاعلات نووية، وكذلك إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية مقارنة بالقوى العسكرية لباقي دول المنطقة، إلا أن كلا القوتين ما زالتا تحسان بضعف وجودهما داخل المنطقة، فتلك القوتان لديهما مشروعهما الخاص، فإيران تحاول إيجاد حلفاء لها لتحقيق أهداف ثورتها الإسلامية أو مشروع إيران التوسعي في المنطقة، وكذلك إسرائيل حاولت وتحاول جاهدة إثبات كيانها ووجودها داخل المجتمع العربي والحصول ولو على القدر القليل من الاحترام والاهتمام الشعبوي، إلا أن محاولات تلك القوتين داخل الوسط العربي آلتا للفشل، فالسائح الإسرائيلي غير مرحب به تماما في زيارة أي دولة عربية، أما الإيراني ذو الفكر الشيعي المتشدد أصبح تقبله في المجتمع العربي مرفوضا.
المجتمعات العربية أدخلت تلك القوتين في عزلة مميتة وصراع نفسي تجعلهما تبحثان عن حلفاء آخرين غير العرب داخل المنطقة، حيث لم يبق لتلك القوتين إلا خياران، إما تركيا والتي تعتبر قوة فعالة في الشرق الأوسط كخيار أول، أو على إيران أن تتخلى عما تسميه أهداف الثورة الإسلامية بقيام علاقة سياسية واقتصادية مع النظام الإسرئيلي كخيار ثان.
بالنسبة لتلك القوتين، قيام علاقة مع النظام التركي صعب ولن يتقبلها الشارع الشعبي التركي. الأتراك تربطهم مع العرب علاقة أخوية ومذهبية، وهو يرفض تماما المشروعين الإسرائيلي والإيراني، على رغم الفتور السياسي الذي مرت به العلاقات العربية التركية على الصعيد السياسي بعد سقوط الخلافة العثمانية وتولي العلمانيين إدارة الحكم في تركيا، لكن في السنوات الأخيرة انتقلت إدارة البلد إلى حزب إسلامي أعاد الاصطفاف العربي التركي في مواجهة المشاريع التي تستهدف المنطقة، ومغلقا كل السبل والطرق لكل من إيران وإسرئيل لإيجاد أي شراكة أو قبول لمشروعهما التوسعي. لم يبق لتلك القوتين إلا بناء علاقة مع بعضهما البعض؛ للخروج من العزلة والوحدة التي فرضت عليهم من قبل شعوب المنطقة، فعلى رغم الدعوات المزيفة التي يطلقها أنصار الثورة الإسلامية الإيرانية كـ«الموت لإسرائيل» وغيرها، أثبتت الأحداث الأخيرة زيفهم وكذبهم تجاه الأحداث السياسية في المنطقة، حيث نجد أن هناك تقاربا كبيرا في سياستي إسرائيل وإيران تجاه سوريا، والصمت الإسرائيلي تجاه ما يجري في العراق واليمن دلالة على الرضا.
بالنسبة لإيران، دخولها في صراعات المنطقة عبارة عن موت أو حياة لها، فإما أن تستمر في تحقيق أهداف مشروعها التوسعي والوصول إلى المبتغى، أو التراجع والاستسلام، وهذا سوف يؤدي إلى أسوأ الاحتمالات لها، وهو ضياع مكانتها كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة في المنطقة وزوال حلفائها.
تخوف إيران من هذا السيناريو يجعلها ترمي بنفسها مع أي كيان أو جماعة شرق أوسطية للحفاظ على مكانتها وقوتها وتحقيق هيمنتها داخل المنطقة، ولم يبق للجمهورية الإيرانية إلا التحالف مع نظام إسرائيل الذي أيضا يسعى إلى إيجاد حليف من المنطقة.
العلاقة بين النظامين تعتبر خجولة في مستواها الأول ولكن الأيام القادمة كفيلة لتكشف لنا الكثير من أسرار العلاقة الإسرائيلية الإيرانية، بل وإني أتوقع أنها سوف تصل إلى أبعد حدود التقارب في الخطاب السياسي والتحالفات العسكرية.
* ناشط سياسي يمني - مقيم في الولايات المتحدة
القوة الأولى العرب: يسيطر العرب على معظم مساحة الشرق الأوسط الجغرافية، ويمتلكون مخزونا بشريا هائلا، إلى جانب مخزون وفير من الموارد الطبيعية. رغم المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يمرون بها إلا إن غالبية السياسيين والمفكرين والمثقفين يزعمون بأن القومية العربية (العروبة) قادرة على أن تجمع العرب في أي وقت لمواجهة أي خطر يهدد قوميتهم.
القوى الثانية الأتراك: وهي قوة إسلامية تربطها مع العرب علاقة مذهبية، حيث إن معظم الأتراك ينتمون للمذهب السني بل إن الخلافة العثمانية كان لها دور كبير في توطيد العلاقة مع العرب.
إيران: يجمعهم مع العرب دين واحد وهو الإسلام، ويفرقهم المذهب، وما يفرقهم أكثر تاثيرا مما يجمعهم، فالعرب سنة إلا نسبة قليلة لا تذكر ذات توجه شيعي، وكذلك في المقابل معظم الإيرانيين من أنصار المذهب الشيعي.
القوة الثالثة إسرائيل: لا تربطها مع مجتمعات المنطقة، سواء العرب، أو الترك، أو الفرس، أي روابط تساعد في إيجاد طريق لبناء علاقة معهم، فالعلاقة بين شعوب المنطقة والإسرائيليين غير موجودة تماما، مع وجود علاقات دبلوماسية بين بعض الأنظمة العربية ونظام إسرائيل، إلا أن تلك العلاقات تتسم بالضعف والتخوف من أي رد شعبي.
العلاقات العربية الإيرانية مرت بمستويات متذبذبة ما بين التقارب والتنافرعلى المستويين الشعبوي والسياسي. فالحرب العراقية الإيرانية شهدت اصطفافا عربيا مع العراق، عدا ليبيا والجزائر وسوريا، ولكن بعد دخول نظام صدام إلى الكويت وبعدها قيام حرب الخليج والتي تلتها حرب العراق قادت إلى تقارب عربي إيراني طفيف، خاصة مع دول الخليج في المصالح. إلا أن تاثيرات الربيع العربي على السياسات الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة أججت الصراع من جديد وقاد إلى حرب باردة بين الأنظمة العربية وإيران. صورة المشروع الإيراني المغلف بمسمى الثورة الإسلامية ومعاداة أمريكا وإسرائيل امتلك حاملا شعبويا عربيا جارفا، فعندما كان يلقي حسن نصر الله خطابا في 2006 وما بعده كان الملايين من العرب يحضرونه، ولكن ثورات الربيع العربي كشفت عورة المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة وأثبتت حقيقته وأصبح حسن نصر الله أكبر عدو للعرب عندما تلطخت يداه بدماء السوريين ووقوفه إلى جانب نظام الأسد.
التحركات الإيرانية في دول الربيع العربي ومشروعها التوسعي وأهدافه جاءت معادية لطموحات الشعوب مما جرتها إلى عزلة مقيتة فرضتها شعوب المنطقة عليها وجعلتها ترتمي في أحضان أنظمة متهالكة أو جماعات متمردة للخروج من عزلتها في المنطقة ولتحقيق مصالحها.
أما العلاقات العربية الإسرائيلية، أو بالأصح العلاقات الدبلوماسية التي تقيمها بعض أنظمة المنطقة مع إسرائيل، تواجه رفضا شعبويا مستمرا لم يتأثر بطيلة المدة أو بتلك الأنظمة الاستبدادية التي حاولت فرضها على الشعوب. فالعلاقات هي عبارة عن صراع علني مستمر ما بين فرض وجود ورفضه، فإسرائيل شعبا وحكومة تحاول إيجاد مكان داخل مجتمع المنطقة كشعب شرق أوسطي، إلا أن موجة الرفض الشعبي كان بمثابة جدار عازل.
على رغم أن إيران تعتبر قوة عسكرية تمتلك مفاعلات نووية، وكذلك إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية مقارنة بالقوى العسكرية لباقي دول المنطقة، إلا أن كلا القوتين ما زالتا تحسان بضعف وجودهما داخل المنطقة، فتلك القوتان لديهما مشروعهما الخاص، فإيران تحاول إيجاد حلفاء لها لتحقيق أهداف ثورتها الإسلامية أو مشروع إيران التوسعي في المنطقة، وكذلك إسرائيل حاولت وتحاول جاهدة إثبات كيانها ووجودها داخل المجتمع العربي والحصول ولو على القدر القليل من الاحترام والاهتمام الشعبوي، إلا أن محاولات تلك القوتين داخل الوسط العربي آلتا للفشل، فالسائح الإسرائيلي غير مرحب به تماما في زيارة أي دولة عربية، أما الإيراني ذو الفكر الشيعي المتشدد أصبح تقبله في المجتمع العربي مرفوضا.
المجتمعات العربية أدخلت تلك القوتين في عزلة مميتة وصراع نفسي تجعلهما تبحثان عن حلفاء آخرين غير العرب داخل المنطقة، حيث لم يبق لتلك القوتين إلا خياران، إما تركيا والتي تعتبر قوة فعالة في الشرق الأوسط كخيار أول، أو على إيران أن تتخلى عما تسميه أهداف الثورة الإسلامية بقيام علاقة سياسية واقتصادية مع النظام الإسرئيلي كخيار ثان.
بالنسبة لتلك القوتين، قيام علاقة مع النظام التركي صعب ولن يتقبلها الشارع الشعبي التركي. الأتراك تربطهم مع العرب علاقة أخوية ومذهبية، وهو يرفض تماما المشروعين الإسرائيلي والإيراني، على رغم الفتور السياسي الذي مرت به العلاقات العربية التركية على الصعيد السياسي بعد سقوط الخلافة العثمانية وتولي العلمانيين إدارة الحكم في تركيا، لكن في السنوات الأخيرة انتقلت إدارة البلد إلى حزب إسلامي أعاد الاصطفاف العربي التركي في مواجهة المشاريع التي تستهدف المنطقة، ومغلقا كل السبل والطرق لكل من إيران وإسرئيل لإيجاد أي شراكة أو قبول لمشروعهما التوسعي. لم يبق لتلك القوتين إلا بناء علاقة مع بعضهما البعض؛ للخروج من العزلة والوحدة التي فرضت عليهم من قبل شعوب المنطقة، فعلى رغم الدعوات المزيفة التي يطلقها أنصار الثورة الإسلامية الإيرانية كـ«الموت لإسرائيل» وغيرها، أثبتت الأحداث الأخيرة زيفهم وكذبهم تجاه الأحداث السياسية في المنطقة، حيث نجد أن هناك تقاربا كبيرا في سياستي إسرائيل وإيران تجاه سوريا، والصمت الإسرائيلي تجاه ما يجري في العراق واليمن دلالة على الرضا.
بالنسبة لإيران، دخولها في صراعات المنطقة عبارة عن موت أو حياة لها، فإما أن تستمر في تحقيق أهداف مشروعها التوسعي والوصول إلى المبتغى، أو التراجع والاستسلام، وهذا سوف يؤدي إلى أسوأ الاحتمالات لها، وهو ضياع مكانتها كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة في المنطقة وزوال حلفائها.
تخوف إيران من هذا السيناريو يجعلها ترمي بنفسها مع أي كيان أو جماعة شرق أوسطية للحفاظ على مكانتها وقوتها وتحقيق هيمنتها داخل المنطقة، ولم يبق للجمهورية الإيرانية إلا التحالف مع نظام إسرائيل الذي أيضا يسعى إلى إيجاد حليف من المنطقة.
العلاقة بين النظامين تعتبر خجولة في مستواها الأول ولكن الأيام القادمة كفيلة لتكشف لنا الكثير من أسرار العلاقة الإسرائيلية الإيرانية، بل وإني أتوقع أنها سوف تصل إلى أبعد حدود التقارب في الخطاب السياسي والتحالفات العسكرية.
* ناشط سياسي يمني - مقيم في الولايات المتحدة